فصل: حصار مدينة الخبيث المختارة وفتحها.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.وصول الموفق لحرب الزنج وفتح المنيعة والمنصورة.

كان الموفق لما بعث ابنه أبا العباس لحرب الزنج تأخر لا مداده بالحشود والعدد وإزاحة علله ومسارقة أحواله فلما بلغه اجتماع ابن أبان وابن جامع لحربه سار من بغداد إليه فوصل إلى واسط في ربيع الأول من سنة سبع وستين ولقيه ابنه وأخبره بالأحوال ورجع إلى عسكره ونزل الموفق على نهر شداد ونزل ابنه شرقي دجلة على موهة بن مساور فأقام يومين ثم رحل إلى المنيعة بسوق الخميس وسار إليها في النهر ونادى بالمقامة ولقيه الزنج فحاربوه ثم جاء الموفق فانهزموا واتبعهم أصحاب أبي العباس فاقتحموا عليهم المنيعة وقتلوا خلقا وأسروا آخريين وهرب الشعراني واختفى في الآجام آخرون ورجع الموفق إلى عسكره وقد استنقذ من المسلمات نحو خمس عشرة امرأة ثم غدا على المنيعة فأمر بنهبها وهدم سورها وطم خندقها وإحراق ما بقي من السفن فيها وببعث الأقوات التي أخذت فكانت لا حد لها فصرفت في الجند وكتب الخبيث إلى ابن جامع يحذره مثل ما نزل بالشعراني وجاءت العيون إلى الموفق أن ابن جامع بالجوانيت فسار إلى الضبية وأمر ابنه بالسير في النهر إلى الحوانيت فلم يلق ابن جامع بها ووجد قائدين من الزنج استخلفهم عليها بحفظ الغلات ولحق بمدينته المنصورة بطهتا فقاتل ذلك الجند ورجع إلى أبيه بالخير فأمره بالمسير إليه وسار على أثره برا وبحرا حتى نزلوا على ميلين من طهتا وركب لبيوني مقاعد القتال على المنصور فلقيه الزنج وقاتلوه وأسروا جماعة من غلمانه ورمى أبو العباس بن الموفق أحمد بن مهدي الجناني فمات ووأوهن موته ثم ركب يوم السبت آخر ربيع من سنة سبع وعبى عسكره وبعث السفن في البحر االذي يصل إلى المنصورة ثم صلى وابتهل بالدعاء وقدم ابنه أبا العباس إلى السور واعترضه الجند فقاتلهم عليه واقتحموا وولوا منهزمين إلى الخنادق وراءه فقاتلوه عندها واقتحمها عليهم كلها ودخلت السفن المدينة من النهر فقتلوا وأسروا وأجلوهم عن المدينة وما اتصل بها وهو مقدار فرسخ وملكه الموفق وأفلت ابن جامع في نفر من أصحابه وبلغ الطلاب في أثره إلى دجلة وكثر القتل في الزنج والأسر واستنقذ العباس من نساء الكوفة وواسط وصبيانهم اكثر من عشرة آلاف وأعطى ما وجد في المنصورة من الذخائر والأموال للأجناد وأسر من نساء سليمان وأولاده عدة ولما جاء جماعة من الزنج إلى الآجام اختفوا فأمر بطلبهم وهدم سور المدينة وطم خنادقها وأقام سبعة عشر يوما في ذلك ثم رجع إلى واسط.

.حصار مدينة الخبيث المختارة وفتحها.

ثم إن الموفق عرض عساكره وأزاح عللهم وسار ومعه ابنه أبو العباس إلى مدينة الخبيث فأشرف عليها ورأى من حصانتها بالأسوار والخنادق ووعر الطريق وما أعد من الآلات للحصار ومن كثرة المقاتلة ما استعظمه ولما عاين الزنج عساكره الموفق دهشوا وقدم ابنه العباس في السفن حتى ألصقها بالأسوار فرموه بالحجارة في المجانيق والمقاليع والأيدي ورأوا من صبره وأصحابه ما لم يحتسبوه ثم رجعوا وتبعهم مستأمنة من المقاتلة والملاحين نزعوا إلى الموفق فقبلهم وأحسن إليهم فتتابع المستأمنون في النهر فوكل الخبيث بفوهة النهر من معهم وتعبى أهل السفن للحرب مع بهبود قائد الخبيث فزحف إليه أبو العباس في السفن وهزمه وقتل الكثير من أصحابه ورجع فاستأمن إليه بعض تلك السفن النهرية وكثير من المقاتلة فأمنهم وأقام شهرا لم يقاتلهم ثم عبى عساكره منتصف شعبان في البر والبحر وكانوا نحوا من خمسين ألفا وكان الزنج في نحو ثلثمائة ألف مقاتل فأشرف عليهم ونادى بلأمان إلا للخبيث ورمى بالرفاع في السهام بالأمان فجاء كثير منهم ولم يكن حرب ثم رحل من مكانه ونزل قريبا من المختارة ورتب المنازل من انشاء السفن وشرع في اختطاط مدينة لنزله سماها الموفقية فأكمل بناءها وشيد جامعها وكتب بحمل الأموال والميرة إليها وأغب الحرب شهرا فتتابعت الميرة إلى المدينة ورحل إليها التجار بصنوف البضائع واستجر فيها العمران ونفقت الأسواق وجلبت صنوف الأشياء ثم أمر الموفق ابنه أبا العباس بقتال من كان من الزنج خارج المختارة فقاتلهم وأثخن فيهم فاستأمن إليه كثير منهم فأمنهم ووصلهم وأقام الموفق أياما يحاصر المحاربين ويصل المستأمنين واعترض الزنج بعض الوفاد الجائية بالميرة فأمر بترتيب السفن على مخارج الأنهار ووكل ابنه أبا العباس بحفظها وجاءت طائفة من الزنج بعض الأيام إلى عسكر نصير يريدون الإيقاع به فأوقع بهم وظفر ببعض القواد منهم فقتل رشقا بالسهام وتتابع المستأمنة فبلغوا إلى آخر رمضان خمسين ألفا ثم بعث الخبيث عسكرا من الزنج مع علي بن أبان ليأتوا من وراء الموفق إذا ناشبهم الحرب ونمي إليه الخبر فبعث ابنه أبا العباس فأوقع بهم وحملت الأسرى والرؤس في السفن النهرية ليراها الخبيث وأصحابه وظنوا أن ذلك تمويه فرميت الرؤوس في المجانيق حتى عرفوها فظهر منهم الجزع وتكررت الحرب في السفن بين أبي العباس وبين الزنج وهو يظهر عليهم في جميعها حتى انقطعت الميرة عنهم فاشتد الحصار عليهم وخرج كثير من وجوه أصحابه مستأمنين مثل محمد بن الحرث القمي وأحمد اليربوعي وكان من أشجع رجاله القمي منهم موكلا بحفظ السور فأمنهم الموفق ووصلهم وبعث الخبيث قائدين من أصحابه في عشرة آلاف ليأتوا البطيحة من ثلاثة وجوه فيعبروا من تلك النواحي ويقطعوا الميرة عن الموفق وبلغ الموفق خبرهم فبعث إليهم عسكرا مع مولاه ونزل فأوقع بهم وقتل وأسر وأخذ منهم أربعمائة سفينة ولما تتابع خروج المستأمنة وكل الخبيث من يحفظها وجهدهم الحصار فبعث جماعة من قواده إلى الموفق يستأمنون وأن يناشبهم الحرب ليجدوا السبيل إليه فأرسل ابنه أبا العباس إلى نهر الغربي وبه علي بن أبان فاشتد الحرب وظهر أبو العباس على بن أبان وأمده الخبيث بابن جامع ودامت الحرب عامة يومهم وكان الظفر لأبي العباس وسار إليه المستأمنة الذين واعدوه وانصرف أبو العباس إلى مدينة الخبيث وقاتل بعض الزنج طمعا فيهم فتكاثروا عليه ثم جاءه المدد من قبل أبيه فظهر عليهم وكان ابن جامع قد صعد في النهر وأتى أبا العباس من ورائه وخفقت طبوله فانكشف أصحاب أبي العباس ورجع منهزمة الزنج فأجبت جماعة من غلمان الموفق وعدة من أعلامهم وحامى أبو العباس عن أصحابه حتى خلصوا وقوي الزنج بهذه الواقعة فأجمع الموفق العبور إلى مدينتهم بعسكره فعبى الناس لذلك من الغداة آخر ذي الحجة واستكثر من المعابر والسفن وقصدوا حصن أو كان بالمدينة وفيها أنكلاي بن الخبيث وابن جامع وابن أبان وعليه المجانيق والآلات فأمر غلمانه بالدنو منه فخافوا لاعتراض نهر الأتراك بينهم وبينه فصاح بهم فقطعوا النهر سبحا وتناولوا الركن بالسلاح يهدمونه ثم صعدوا عليه وملكوه ونصبوا به علم الموفق وأحرقوا ما كان عليه من الآلات وقتلوا من الزنج خلقا عظيما وكان أبو العباس يقاتلهم من الناحية الأخرى وابن أبان قبالته فهزمه ووصل أصحاب أبي العباس إلى السور فثملوه ودخلوا ولقيهم ابن جامع فقاتلهم حتى ردهم إلى مواقفهم ثم توافى الفعلة فثلموا السور في مواضع ونصبوا على الخندق جسرا عبر عليه المقاتلة فانهزم الزنج عن السور واتبعهم أصحاب الموفق يقتلونهم إلى دير ابن سمعان فملكه أصحاب الموفق وأحرقوه وقاتلهم الزنج هناك انهزموا فبلغوا ميدان الخبيث فركب من هنالك وانهزم عنه أصحابه وأظلم الليل ورجع الموفق بالناس وتأخر أبو العباس لحمل بعض المستأمنين في السفن واتبعه بعض الزنج ونالوا من آخر السفن وكان بهبود بازاء مسرور البلخي فنال من أصحابه واستأمن بعض المنهزمين من الزنج والأعراب بعثوا بذلك من عبادان والبصرة وكان منهم قائد ريحان أبو صالح المعري فأمنهم الموفق وأحسن إليهم وضم ريحان إلى أبي العباس وخرج في المحرم إلى الموفق من قواد الخبيث وثقاته جعفر بن إبراهيم المعروف بالسجان فأحسن إليه الموفق وحمله في بعض السفن إلى قصر الخبيث فوقف وكلم الزنج في ذلك وأقام الموفق أياما استجم فيها أصحابه فلما كان منتصف ربيع الثاني قصد مدينة وفرق القواد على جهاتها ومعهم النقابون للسور ومن ورائهم الرماة يحمونهم وتقدم إليهم أن لا يدخلوا بعد الهزم إلا بإذنه فوصلوا إلى السور وثلموه وحاربوا الزنج من ورائه وهزموهم وبلغوا أبعد مما وصلوا إليه بالأمس ثم تراجع الزنج وحاربوا من المكامن فرجع أصحاب الموفق نحو دجلة بعد أن نال منهم الزنج ورجع الموفق إلى مدينته ولام أصحابه على تقدمهم بغير إذنه ثم بلغ الموفق أن بعض الأعراب من بني تميم يجلبوه الميرة إلى الزنج فبعث إليهم عسكرا أثخنوا فيهم قتلا وأسرا وجيء بالأسرى فقتلهم وأوعز إلى البصرة بقطع الميرة فانقطعت عن الزنج بالكلية وجهدهم الحصار وكثر المستأمنة وافترق كثير من الزنج في القرى والأمصار البعيدة وبث الموفق دعاته فيهم ومن أبى قتلوه وعرض المستأمنين وأحسن إليهم ليستميل غيرهم وتابع الموفق وابنه قتال الزنج وقتل بهبود بن عبد الواحد من قواد الخبيث في تلك الحروب فكان قتله من أعظم الفتوح وكان قتله في السفن البحرية ينصب فيها أعلاما كأعلام الموفق ويخايل أطراف العسكر فيصيب منهم وأفلت في بعض الأيام من يد أبي العباس بعد أن كان حصل في قبضته ثم خيل أخرى لبعض السفن طامعا فيها فحاربوه وطعنه بعض الغلمان منها فسقط في الماء وأخذه أصحابه فمات بين أيديهم وخلع الموفق على الغلام الذي طعنه وعلى أهل السفينة ولما هلك بهبود قبض الخبيث على بعض أصحابه وضربهم على ماله فاستفسد قلوبهم وهرب كثير منهم إلى الموفق فوصلهم ونادى بالأمان لبقيتهم ثم اعتزم على العبور إلى الزنج من الجانب الغربي وكانت طرقه ملتفة بالنخيل فأمر بقطعها وأدار الخنادق على معسكره حذرا من البيات ثم صعب على الموفق القتال من الجانب الغربي لكثرة أوعاره وصعوبة مسالكه وما يتوجه فيها على أصحابه من خيل الزنج لقلة خبرتهم بها فصرف قصده إلى هدم أسوارهم وتوسعت الطرق فهدم طائفة من السور من ناحية نهر سلمى وباشر الحرب بنفسه واشتد القتال وكثرت القتلى في الجانبين وفشت الجراح وكانت في النهر قنطرتان يعبر منهما الزنج عند القتال يأتون أصحاب الموفق من ورائهم فأمر بهدمهما فهدمتا ثم هدم طائفة من السور ودخلوا المدينة وانتهوا إلى دار ابن سمعان من خزائن الخبيث ودواوينه ثم تقدموا إلى الجامع فخربوه وجاؤا بمنبره إلى الموفق بعد أن استمات الزنج دونه فلم يغنوا به ثم اكثروا من هدم السور وظهرت علامات الفتح ثم أصاب الموفق في ذلك اليوم سهم في صدره وذلك لخمس بقين من جمادى سنة تسع وستين فعاد إلى عسكره ثم صابح الحرب تقوية لقلوب الناس ثم لزم الفراش واضطراب العسكر وأشير عليه بالذهاب إلى بغداد فأبى فاحتجب عن الناس ثلاثة أشهر حتى اندمل جرحه ثم ركب إلى الحرب فوجد الزنج قد سددوا ما تثلم من الأسوار فأمر بهدمها كلها واتصل القتال مما يلي نهر سلمى كما كان والزنج يظنون أنهم لا يأتون إلا منها فركب يوما لقتالهم وبعث السفن أسفل نهر أبي الخصيب فانتهوا إلى قصر من قصور الزنج فأحرقوه وانتهبوا ما فيه واستنقذوا كثيرا من الساكن فيه ورجع الموفق آخر يومه ظافرا ثم بكر لحربهم فوصلت المقدمات دار أنكلاي بن الخبيث وهي متصلة بدار أبيه وأشار ابن أبان باجراء المياه على الساج وحفر الخنادق بين يدي العساكر وأمر الموفق بطم الخنادق والأنهار ورام إحراق قصره وقصده من دجلة فمنع من ذلك كثرة الحماة عنه فأمر أن تسقف السفن بالأخشاب وتطلى بالأدوية المانعة من الإحراق ورتب فيها أنجاد أصحابه وباتوا على أهبة الزحف من الغد وجاء كاتب الخبيث وهو محمد بن سمعان عشاء ذلك اليوم مستأمنا وبكروا إلى الحرب وأمر الموفق ابنه أبا العباس بإحراق منازل القواد المتصلة بقصر الخبيث ليشغلهم عن حمايته وقصدت السفن المطلية قصر الخبيث فأحرقوا الرواشن والأبنية الخارجة وعلت النار فيه ورموا بالنار على السفن فلم تؤثر فيها ثم حصر الماء من النهر فزحفت السفن فلما جاء الدعاة إلى القصر أحرقوا بيوتا كانت تشرع على دجلة واشتعلت النار فيها وقويت وهرب الخبيث وأصحابه وتركوها وما فيها واستولى أصحابه الموفق على ذلك كله واستنقذوا جماعة من النساء وأحرق قصر أنكلاي ابنه وجرحا وعاد الموفق عشاء يومه مظفرا ثم بكر من الغد للقتال وأمر نصيرا قائد السفن بقصد القنطرة التي كان الخبيث عملها في نهر أبي الخصيب دون القنطرة التي كان اتخذها وفرق العسكر في الجهات فدخل نصير في أول المد ولصق بالقنطرة واتصل الشد من ورائه فلم يقدر على الرجوع حتى حسر الماء عنها وفطن لها الزنج فقصدوها فألقى الملاحون أنفسهم في الماء وألقى نصير نفسه وقاتل ابن جامع ذلك اليوم أشد قتال ثم انهزم وسقط في الحريق فاحترق ثم خلص بعد الجهد وانصرف الموفق سالما وأصابه مرض المفاصل واتصل به إلى شعبان من سنته فأمسك في هذه المدة عن الحرب حتى أبلى فأعاد الخبيث القنطرة التي غرق عندها نصير وزاد فيها وأحكمها وجعل أمامها سكرا من الحجارة ليضيق المدخل على السفن فبعث الموفق طائفة من شرقي نهر أبي الخصيب وطائفة من بحرية ومعهم الفعلة لقطع القنطرة وجعل أمامها سفنا مملوأة من القصب لتصيبها النار بالنفط فيحترق الجسر وفرق جنده على القتال وساروا لما أمرهم عاشر شوال وتقدموا إلى الجسر ولقيهم أنكلاي بن الخبيث وابن أبان وابن جامع وحاموا عن القنطرة لعلمهم بما في قطعها من المضرة عليهم ودامت الحرب عليها إلى العشي ثم غلبهم أصحاب الموفق عليها ونقضها النجارون ونقضوا الأثقال التي دونها وأدخلوا السفن بالقصب وأضرموها نارا ووافت القنطرة فأحرقتها ووصل النجارون بذلك إلى ما أرادوا وسهل سبيل السفن في النهر وقتل من الزنج خلق واستأمن آخرون وانتقل الخبيث بعد حرق قصوره ومساكن أصحابه إلى الجانب الشرقي من النهر أبي الخصيب ونقل أسواقه إليه وتبين ضعفه فانقطعت عنه الميرة وفقدت الأقوات وغلت حتى أكل بعضهم بعضا وأجمع الموفق أن يحرق الجانب الشرقي كما أحرق الغربي فقصد دار الهمذان وكان حصينا وعليه الآلات فلما انتهى إليها تعذر الصعود لعلو السور فرموا بالكلاليب ونشبت في أعلام الخبيث وجذبوها فتساقطت فانهزم المقاتلة وصعد النفاطون فأحرقوا ما كان عليها من الآلة ونهبوا الأثاث والمتاع واتصل الحريق بما حولها من الدور واستأمن للموفق جماعة من خاصة الخبيث فأمنهم ودلوه على سوق عظيمة متصلة بالجسر الأول تسمى المباركة وبها التجار الذين بهم قوامهم فقصدها لإحراقها وحاربه الزنج عندها واضرم أصحابه النار فيها فاتصلت وبقي التحريق عامة اليوم ثم رجع الموفق ثم انتقل التجار بأمتعتهم وأموالهم إلى أعلى المدينة ثم فعل الخبيث في الجانب الشرقي بعد هذه من حفر الخنادق وتغوير الطرق مثل ما كان فعل في الجانب الغربي واحتفر خندقا عريضا حصن به منازل أصحابه على النهر الغربي ثم خرق الموفق باقي السور إلى النهر الغربي بعد حرب شديدة كانت عليه وكان للخبيث جمع من الزنج وهم أشجع أصحابه وقد تحصنوا بحصن منيع يخرجون على أصحاب الموفق عند الحرب فيعوقونهم فأجمع على تخريبه وجمع المقاتلة عليه برا وبحرا وفرقهم على سائر جهاته وجهات الخبيث وأمد الخبيث الحصن بالمهلبي وابن جامع فلم يغنوا عنه وانهزموا وتركوا الحصن في يدي أصحاب الموفق وهزموه وقتلوا من الزنج خلقا وخلصوا من الحصن كثيرا من النساء والصبيان ورجع الموفق إلى عسكره ظافرا.